تزخر الأرض الجزائرية بعشرات الأحواض والحمامات المعدنية الطبيعية، تعول عليها السلطات في بناء قاعدة متينة لـ «سياحة حمامات معدنية»، تجذب السياح المحليين وبخصوصا الأجانب.
ويتوفر بالجزائر ما يفوق 200 منبع للمياه الحموية الجوفية، السواد الأعظم منها قابل للاستغلال كمحطات حموية عصرية، فضلا عن فرص الاستثمار المتوفرة في الشريط الساحلي الذي يفوق 1200 كلم، لإقامة مراكز للمعالجة بمياه البحر.
لكن المتخصصين في مجال السياحة، يبدون نوعا من التشاؤم بخصوص قدرة قطاع السياحة والصناعات التقليدية على استغلال المخزن الحموي بشكل كامل، قياسا إلى قلة الاعتمادات المالية التي رصدتها الدولة للقطاع. وباستثناء 7 محطات حمامات معدنية ذات طابع وطني، ومركز واحد للعلاج بمياه البحر، يوجد ما يقارب 50 محطة حموية ذات طابع محلي تستغل بطريقة تقليدية. وبالنسبة للحمامات المعدنية، فهي حمام بوغرارة بولاية تلمسان (500 كلم غرب العاصمة) القريبة من الحدود مع المغرب، وحمام بوحجر بولاية عين تيموشنت (400 كلم غرب) وحمام بوحنيفية بمنطقة معسكر، مدينة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر الجزائري، وحمام ريغة بولاية عين الدفلى (170 كلم غرب) الممتد عبر السلسلة الجبلية زكار. ويمكن للراغب في زيارة هذه المحطات، التنقل إليها على متن سيارات تاكسي انطلاقا من مطار الجزائر العاصمة، أو عن طريق الحافلة أو القطار من العاصمة. كما يمكن التوجه إليها انطلاقا من مدينة وهران عاصمة الغرب الجزائري.
وفي الشرق، يوجد حمام الشلالة بولاية قالمة (500 كلم شرق العاصمة) وحمام قرقور بولاية سطيف (300 كلم شرق العاصمة) وحماما الصالحين بولاية بسكرة (450 كلم شرق العاصمة) وولاية خنشلة. ويمكن للسائح والأشخاص الذين يعانون أمرضا جلدية أو التهاب المفاصل، التوجه إليها من مطار قسنطينة أو سطيف أو العاصمة. أما عن محطة العلاج بمياه البحر، فهي منشأة كبيرة تقع بمدينة سيدي فرج (30 كلم غرب العاصمة) المعروفة بتاريخها، حيث دخلت القوات الفرنسية الغازية منها في عام 1830 ومكثت في البلاد 132 سنة. ويتردد على محطة سيدي فرج الآلاف من الجزائريين والأجانب على مدار السنة للاستفادة من خدمات فريق طبي متخصص عالي الكفاءة. وتمثل المنابع الحموية غير المستغلة التي لا تزال على حالتها الطبيعية، ما يفوق 60 في المائة من المنابع المحصاة، وتشكل مخزونا وافرا يسمح بإقامة ما يسميه أهل الاختصاص «عرضا سياحيا حمويا تنافسيا»، لو استفادت من استثمارات. ويجري على مستوى الحكومة حديث عن «دراسة تحيينية للحصيلة الحموية»، بناء على طلبات استثمار رفعها مستثمرون أجانب لوزارة الاستثمار. ويتعلق الأمر بجمع كافة المعطيات عن المخزون الحموي.
وقد منحت وزارة السياحة 15 حق امتياز لمستغلين خواص، لكن الوزير نور الدين موسى قال لصحافيين قبل أيام إن بعض المستغلين «تملصوا من أحكام دفتر الأعباء» من حيث انهم لم ينجزوا الهياكل الحموية مثل الإيواء والمرافق الصحية.
وبالنسبة للمنابع الحموية المستغلة تقليديا التي تفوق 50 منبعا، فهي مؤجرة من البلديات لخواص عن طريق المزاد العلني من دون الحصول على حق الإمتياز القانوني الذي تمنحه وزارة السياحة.
* التداوي بالماء والخرافة عندما يتحدث الجزائريون عن استجمام المسنين وتداويهم من بعض الامراض التي تلازم التقدم في السن، والتي يمكن للتطبيب الحديث ان يعلن عجزه على مداواتها، يتجه الحديث الى الحمامات المعدنية المنتشرة فوضويا، ويختلط الحديث هنا بين الخرافة والحقيقة العلمية.فالحمامات المعدنية التي يوجد معظمها بالمحافظات الداخلية للجزائر كانت الى وقت غير بعيد قلب الثقافة السياحية لدى الجزائريين، لولا ان الازمة الامنية التي ضربت الجزائر منذ بداية التسعينات جعلت من المحافظات الداخلية للجزائر معقلا للجماعات المسلحة التي اشاعت الخوف والموت وحرمت هذه الحمامات على الجزائريين.
لعل اقرب حمام الى العاصمة الجزائرية هو «حمام ملوان» بمحافظة البليدة (45 كيلومترا غرب العاصمة)، وهو حمام يقع في منطقة تسمى «بوقرة» على بعد 35 كلم من العاصمة، وكانت منطقة محرمة تمركزت فيها فلول «الجماعة الاسلامية المسلحة» منذ الايام الاولى لمسلسل العنف الدموي في الجزائر.
تقول الحكاية الشعبية التي يتداولها الكبار في كل منطقة «متيجة» (سهل يمتد على مدى 150 كلم غرب العاصمة وجوهرة الفلاحة الجزائرية في السابق) ان «ابنة آخر دايات الجزائر «الداي حسين» اصابها طفح جلدي ألزمها الفراش وعجز الاطباء عن علاجها، فأشار اليه احد مقربيه الى مكان في سفح جبال «الاطلس البليدي» تقصده النسوة والعجائز للتبرك والتداوي من شتى الامراض، فكان ان قبل الداي حسين المشورة وذهب بابنته الى ذلك المنبع، وما كان إلا ان شفيت ابنته وعاد لها وجهها الحسن». وتخلص الحكاية الشعبية الى انه منذ ذلك الوقت والنسوة يتوجهن الى هذا المكان وبالذات الى «عوينة البركة» (منبع البركة) المنبع الذي تخرج منه المياه الساخنة قبل ان يجري عبر الوادي الذي يأتي مصبه من «مقطع الازرق».
واكبر رواد حمام ملوان الى اليوم هم النسوة، وكن قديما لا يأتين للتداوي فقط من بعض الامراض الجلدية وبعض انواع الاورام او داء لالتهاب العظام والمفاصل، بل هناك من يأتين من اجل معالجة العقم، ومن تبحث عن نضارة البشرة وجمالها، وتلك التي تبحث عن الزوج.
وكانت النسوة عندما يأتين الى هذا الحمام يجلبن الشموع والحناء وكأنهن في زيارة الى ضريح او مقام أحد اولياء الله الصالحين.
والى غاية سنوات السبعينات، حيث كان نادرا ان تذهب النسوة الى البحر، كان حمام ملوان منتجع الفتيات ايام الحر يخرجن اليه للتنزه والترويح عن النفس وكثيرا ما تتم خطبة الفتيات هناك، حين تلتقي النسوة داخل الحمام.
وينقسم الحمام الى قسمين، قسم خاص بالرجال وآخر خاص بالنساء، وكل قسم عبارة عن مسبح كبير يغطس فيه الكل، ويزود بمياه المنبع عبر قنوات، وكان المسبح الخاص بالنساء مكانا مناسبا تبحث فيه النساء عن زوجات شابات لابنائهن، وكان الاعتقاد أن خطبة احدى الشابات تعتبر بركة من حمام ملوان التي ما زالت مستمرة منذ عهد الداي حسين.
وقد تدهورت حالة الحمام كثيرا في سنوات الثمانينات لعدم الاعتناء به، خاصة من المحافظات الغربية المجاورة، غير ان فترة الازمة الامنية قطعت عن الحمام رواده الامر الذي جعل المحيط الطبيعي للحمام يعود الى عهده الاول بما يمكنه من ان يكون قطبا سياحيا وثقافيا جيدا اذا احسن استغلاله وزود بمنشآت تستجيب لعدد رواده الذي وصل في الفترة الماضية الى اكثر من 10 آلاف زائر في عطلة نهاية الاسبوع.
حمام ملوان نموذج لحمامات كثيرة اخرى ارتبطت اسماؤها بأساطير وخرافات، ولكنها ارتبطت ايضا بالتداوي من بعض الامراض، مثل حمام «شيغر» بمحافظة «تلمسان» بأقصى الغرب الجزائري على الحدود مع المملكة المغربية وهو حمام اصبح اسمه يتداول على الوصفات الطبية لاطباء امراض الكلى،